يوم عاشوراء وفضله



📗شرح الحديث:

يومُ عاشوراءَ اليومُ العاشِرُ مِن شَهرِ اللهِ المُحرَّمِ، وهو مِن أيَّامِ اللهِ المُبارَكةِ؛ نَجَّى اللهُ عزَّ وجلَّ فيه نَبيَّه مُوسى عليه السَّلامُ مِن فِرعونَ وجُندِه، وعَظَّمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا اليومَ، فصامَه وأمَرَ المسلِمينَ بصِيامِه؛ شُكرًا للهِ، وقدْ مرَّ صِيامُ عاشوراءَ بمَراحلَ تَشريعيَّةٍ مُختلِفةٍ كما في هذا الحديثِ وغيرِه. 

فتُخبِرُ أمُّ المُؤمِنينَ عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ قُرَيشًا كانت تصومُ يومَ عاشُوراءَ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصومُه قبل أن يُهاجِرَ إلى المدينةِ، فلمَّا قدِمَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ صامَه على عادتِه، وأمَرَ النَّاسَ بِصيامِه. وقد ورَدَتْ رِواياتٌ أخرى -لا تُعارِضُ هذه الرِّوايةَ- في أسبابِ صِيامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ عاشُوراءَ؛ منها ما جاء في الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: «أنَّه يَومٌ نجَّى اللهُ فيه مُوسَى مِن فِرعَونَ، وكانت تَصومُه اليَهُودُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنا أَوْلَى بِمُوسَى مِنهم، فصامَه». 

وقَولُ أمِّ المُؤمِنينَ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها في الحَديثِ: «وأَمَرَ بصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كانَ رَمَضَانُ الفَرِيضَةَ، وتُرِكَ عَاشُورَاءُ» يَحتمِلُ أنَّ حُكْمَه كان الوُجوبَ والفرضيَّةَ، ثمَّ نُسِخَ الحُكمُ إلى الاستِحبابِ. وقيل: إنَّ هذا كان تَأكيدًا على الصِّيامِ، وليس في حُكْمِ الوُجوبِ؛ لحَديثِ مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ رَضيَ اللهُ عنهما المُتَّفَقِ عليه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «هذا يومُ عاشوراءَ، ولم يَكتُبِ اللهُ عليكم صِيامَه، وأنا صائمٌ، فمَن شاء فلْيَصُمْ، ومَن شاء فلْيُفطِرْ». 

وكان هذا هو الحالَ والشَّأنَ إلى أنْ فُرِضَ صَومُ رَمَضانَ على المُسلمينَ في السَّنَةِ الثَّانيةِ مِنَ الهِجرةِ، فكانتِ الفريضةُ صَومَ رمَضانَ فَقطْ، وأصْبَحَ صَومُ عاشوراءَ مُخيَّرًا فيه: مَن شاءَ صامَه نفْلًا، ومَن شاءَ تَرَكَه.  

وقد جاء في فَضْلِ صيامِه أنَّه يُكفِّر ذُنوبَ سَنةٍ قَبْلَه، كما في صَحيحِ مُسلمٍ مِن حَديثِ أبي قَتادةَ رَضيَ اللهُ عنه. 

وقد روَى مُسلِمٌ في صَحيحِه عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ السُّنَّةَ أنْ يَصومَ المُسلِمُ اليومَ التَّاسعَ معه؛ مُخالفةً لليهودِ. 

وفي الحَديثِ: بَيانُ أهمِّيةِ يَومِ عاشوراءَ، وتَعظيمِ المُسلِمينَ له. 

وفيه: بيانُ وُقوعِ النَّسخِ في الشَّريعةِ المحمَّديَّةِ.

ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يصوم يوم عاشوراء ويرغب الناس في صيامه لأنه يوم نجا الله فيه موسى وقومه وأهلك فيه فرعون وقومه . روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال : {{ قَدِمَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَومَ عاشُوراءَ، فَقالَ: ما هذا؟ قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ؛ هذا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِن عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قالَ: فأنَا أحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ، فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ }}. قال الشيخ ابن باز _رحمه الله تعالى_ : فيستحب لكل مسلم ومسلمة صيام هذا اليوم شكرًا لله عز وجل وهو اليوم العاشر من محرم ويستحب أن يصوم معه اليوم الذي قبله أي التاسع أو اليوم الذي بعده أي الحادي عشر مخالفة لليهود في ذلك وإن صام الثلاثة جميعًا التاسع والعاشر والحادي عشر فلا بأس لأنه روي عن النبي ﷺ أنه قال : {{ خالفوا اليهود صوموا يومًا قبله ويومًا بعده }} وفي رواية أخرى : {{ صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده }}.

وصح عنه ﷺ أنه قال : {{ صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ }} رواه مسلم.

وقال الشيخ ابن عثيمين _رحمه الله تعالى_ : (( الأفضل أن الإنسان يصوم التاسع والعاشر من شهر الله المحرم، هذا هو الأفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) لكنه قال: ( لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ) أي: مع العاشر، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خالفوا اليهود، صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) وفي رواية: (يوماً قبله ويوماً بعده) لكن لا شك أن المخالفة تكون إذا صام الإنسان يوماً قبله أو يوماً بعده.

فالأفضل أن يصوم قبله يوماً أو بعده يوماً، وإن صام التاسع مع العاشر فهو أفضل من صوم الحادي عشر مع العاشر، وإن صام الأيام الثلاثة؛ التاسع والعاشر والحادي عشر حصل له أجر صيام ثلاثة أيام من الشهر؛ لأن الإنسان إذا صام ثلاثة أيام من كل شهر كان كصيام الدهر، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان الأفضل في صيام الثلاثة أيام أن تكون الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، لكن يجوز أن يُصام في غير هذه الأيام الثلاثة، فقد قالت عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام لا يبالي أصامها من أول الشهر أو وسطه أو آخره) ، وإن اقتصر على صوم اليوم العاشر فقط حصل له الأجر، لكن ينقص أجره عمن صام اليوم التاسع معه أو الحادي عشر، وقد قال بعض العلماء: إن صيام عاشوراء على ثلاثة مراتب: المرتبة الأولى: أن يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر.

والمرتبة الثانية: أن يصوم التاسع والعاشر.

والمرتبة الثالثة: أن يصوم العاشر والحادي عشر)).


قَد يمر بك مفطرٌ .. يوم عاشوراء

فإياك أن تُعجَب بصومك ، أو تزدري فِطرَه !!

فَفِطرُه مباح ، وعُجبك محرّم

(وقد يكون معذورًا بعذر أعظم من أجر صومك ، فيكتب الله له أجر الصيام بنيته ، ويحبط عملك بعجبك)


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سورة الكهف مكتوبة - فضل سورة الكهف ليس قصرا على وقت بعينه

سورة تبارك ، سورة الملك : تَبارَكَ الَّذي بِيَدِهِ المُلكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ

سورة الكهف - تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ