يا أمة لعبت بدين نبيها *** كتلاعب الصبيان في الأوحالِ

 يا أمة لعبت بدين نبيها *** كتلاعب الصبيان في الأوحالِ


ذهب الرجال وحال دون مجالهم *** زمر من الأوباش والأنذال


قطعوا طريق السالكين وغوروا *** سبل الهدى بجهالة وضلال


عمروا ظواهرهم بأثواب التقى *** وحشوا بواطنهم من الأدغال


إن قلت : قال الله قال رسوله *** همزوك همز المنكر المتغالي


قال الإمام ابن القيّم الجوزيّة – رحمه الله تعالى - :


ذهب الرجال وحال دون مجالهم * زمر من الأوباش والأنذال

زعموا بأنهم على آثارهم * ساروا ولكن سيرة البطال

لبسوا الدلوق مرقعا وتقشفوا * كتقشف الأقطاب والأبدال

قطعوا طريق السالكين وغوروا * سبل الهدى بجهالة وضلال

عمروا ظواهرهم بأثواب التقى * وحشوا بواطنهم من الأدغال

إن قلت : قال الله قال رسوله * همزوك همز المنكر المتغالي

أو قلت : قد قال الصحابة والأولى * تبعوهم في القول والأعمال

أو قلت : قال الآل آل المصطفى * صلى عليه الله أفضل آل

أو قلت : قال الشافعي : وأحمد * وأبو حنيفة والإمام العالي

أو قلت : قال صحابهم من بعدهم * فالكل عندهم كشبه خيال

ويقول : قلبي قال لي عن سره * عن سرع سري عن صفا أحوالي

عن حضرتي عن فكرتي عن خلوتي * عن شاهدي عن واردي عن حالي

عن صفو وقتي عن حقيقة مشهدي * عن سر ذاتي عن صفات فعالي

دعوى إذا حققتها ألفيتها * ألقاب زور لفقت بمحال

هو طاعة هو قربة هو سنة * صدقوا لذاك الشيخ ذي الإضلال

شيخ قديم صادهم بتحيل * حتى أجابوا دعوة المحتـــال

هجروا له القرآن والأخبار * والآثار إذ شهدت لهم بضلال

ورأوا سماع الشعر أنفع للفتى * من أوجه سبع لهم بتوال

تالله ما ظفر العدو بمثلها * من مثلهم واخيبة الآمــال

نصب الحبال لهم فلم يقعوا بها * فأتى بذا الشرك المحيط الغالي

فإذا بهم وسط العرين ممزقى * الأثواب والأديان والأحوال

لا يسمعون سوى الذي يهوونه * شغلا به عن سائر الأشغال

ودعوا إلى ذات اليمين فأعرضوا * عنها وسار القوم ذات شمال

خروا على القرآن عند سماعه * صما وعميانا ذوي إهمال

وإذا تلا القارى عليهم سورة * فأطالها عدوه في الأثقال

ويقول قائلهم : أطلت وليس ذا * عشر فخفف أنت ذو إملال

هذا وكم لغو وكم صخب وكم * ضحك بلا أدب ولا إجمال

حتى إذا قام السماع لديهم * خشعت له الأصوات بالإجلال

وامتدت الأعناق تسمع وحى * ذاك الشيخ من مترنم قوال

وتحركت تلك الرءوس وهزها * طرب وأشواق لنيل وصال

فهنا لك الأشواق والأشجان * والأحوال لا أهلا بذي الأحوال

تالله لو كانوا صحاة أبصروا * ماذا دهاهم من قبيح فعال

لكنما سكر السماع أشد * من سكر المدام وذا بلا إشكال

فإذا هما اجتمعا لنفس مرة * نالت من الخسران كل منال

يا أمة لعبت بدين نبيها * كتلاعب الصبيان في الأوحال

أشمتمو أهل الكتاب بدينكم * والله لن يرضوا بذي الأفعال

كم ذا نعير منهم بفريقكم * سرا وجهرا عند كل جدال

قالوا لنا : دين عبادة أهله * هذا السماع فذاك دين محال

بل لا تجىء شريعة بجوازه * فسلوا الشرائع تكتفوا بسؤال

لو قلتمو فسق ومعصية وتزيين * من الشيطان للأنذال

ليصد عن وحى الإله ودينه * وينال فيه حيلة المحتال

كنا شهدنا أن ذا دين أتى * بالحق دين الرسل لا بضلال

والله منهم قد سمعنا ذا * إلى الآذان من أفواههم بمقال

وتمام ذاك القول بالحيل التي * فسخت عقود الدين فسخ فصال

جعلته كالثوب المهلهل نسجه * فيه تفصله من الأوصال

ما شئت من مكر ومن خدع * ومن حيل وتلبيس بلا إقلال

فاحتل على إسقاط كل فريضة * وعلى حرام الله بالإحلال

واحتل على المظلوم يقلب ظالما وعلى الظلوم بضد تلك الحال

واقلب وحول فالتحيل كله * في القلب والتحويل ذو إعمال

إن كنت تفهم ذا ظفرت بكل ما * تبغى من الأفعال والأقوال

واحتل على شرب المدام وسمها * غير اسمها واللفظ ذو إجمال

واحتل على أكل الربا واهجر شنا * عة لفظه واحتل على الابدال

واحتل على الوطء الحرام ولا تقل * هذا زنا وانكح رخى البال

واحتل على حل العقود وفسخها * بعد اللزوم وذاك ذو إشكال

إلا على المحتال فهو طبيبها * يا محنة الأديان بالمحتـــــال

واحتل على نقض الوقوف وعودها * طلقا ولا تستحي من إبطال

فكر وقدر ثم فصل بعد ذا * فإذا غلبت فلج في الإشكال

واحتل على الميراث فانزعه من * الوراث ثم ابلع جميع المال

قد أثبتوا نسبا وحصرا فيكم * حتى تحوز الإرث للأموال

واعمد إلى تلك الشهادة واجعل * الإبطال همك تحظ بالابطال

فالحصر إثبات ونفى غير * معلوم وهذا موضع الاشكال

واحتل على مال اليتيم فإنه * رزق هنى من ضعيف الحال

لا سوطه تخشى ولا من سيفه * والقول قولك في نفاذ المال

واحتل على أكل الوقوف فإنها * مثل السوائب ربة الإهمال

فأبو حنيفة عنده هي باطل * في الأصل لم تحتج إلى إبطال

فالمال مال ضائع أربابه * هلكوا فخذ منه بلا مكيــال

وإذا تصح بحكم قاض عادل * فشروطها صارت إلى اضمحلال

قد عطل الناس الشروط وأهملوا * مقصودها فالكل في إهمال

وتمام ذاك قضاتنا وشهودنا * فاسأل بهم ذا خبرة بالحال

أما الشهود فهم عدول عن طريق * العدل في الأقوال والأفعال

زورا وتنميقا وكتمانا * وتلبيسا وإسرافا بأخذ نوال

ينسى شهادته ويحلف إنه * ناس لها والقلب ذو إغفال

فإذا رأى المنقوش قال : ذكرتها * يا للمذكر جئت بالآمال

ويقول قائلهم : أخوض النار في * نزر يسير ذاك عين خبال

ثقل لى الميزان إني خائض * للمنكبين أجر بالأغــلال

أما القضاة فقد تواتر عنهم * ما قد سمعت فلا تفه بمقال

ماذا تقول لمن يقول : حكمت أنت * فاسق أو كافر في الحال

فإذا استغثت أغثت بالجلد الذي * قد طرقوه كمثل طرق نعال

فيقول طق فتقول : قط فتعارضا * ويكون قول الجلد ذا إعمال

فأجارك الرحمن من ضرب ومن * عرض ومن كذب وسوء مقال

هذا ونسبة ذاك أجمعه إلى * دين الرسول وذا من الأهوال

حاشا رسول الله يحكم بالهوى * والجهل تلك حكومة الضلال

والله لو عرضت عليه كلها * لاجتثها بالنقض والإبطال

إلا التي منها يوافق حكمه * فهو الذي يلقاه بالإقبال

أحكامه عدل وحق كلها * في رحمة ومصالح وحلال

شهدت عقول الخلق قاطبة بما * في حكمه من صحة وكمال

فإذا أتت أحكامه ألفيتها * وفق العقول تزيل كل عقال

حتى يقول السامعون لحكمه : * ما بعد هذا الحق غير ضلال

لله أحكام الرسول وعدلها * بين العباد ونورها المتلالى

كانت بها في الأرض أعظم رحمة * والناس في سعد وفي إقبال

أحكامهم تجرى على وجه السداد * وحالهم في ذاك أحسن حال

أمنا وعزا في هدى وتراحم * وتواصل ومحبة وجلال

فتغيرت أوضاعها حتى غدت * منكورة بتلوث الأعمال

فتغيرت أعمالهم وتبدلت * أحوالهم بالنقص بعد كمال

لو كان دين الله فيهم قائما * لرأيتهم في أحسن الأحوال

وإذا همو حكموا بحكم جائر * حكموا لمنكره بكل وبال

قالوا : أتنكر حكم شرع محمد * حاشا لذا الشرع الشريف العالي

عجت فروج الناس ثم حقوقهم * لله بالبكرات والآصال

كم تستحل بكل حكم باطل * لا يرتضيه ربنا المتعالي

والكل في قعر الجحيم سوى الذي * يقضى بدين الله لا لنوال

أو ما سمعت بأن ثلثيهم غدا * في النار في ذاك الزمان الخالي

وزماننا هذا فربك عالم * هل فيه ذاك الثلث أم هو خالي

يا باغى الإحسان يطلب ربه * ليفوز منه بغاية الآمال

انظر إلى هدة الصحابة والذي * كانوا عليه في الزمان الخالى

واسلك طريق القوم أين تيمموا * خذ يمنة ما الدرب ذات شمال

تالله ما اختاروا لأنفسهم سوى * سبل الهدى في القول والأفعال

درجوا على نهج الرسول وهديه * وبه اقتدوا في سائر الأحوال

نعم الرفيق لطالب يبغى الهدى * فمآله في الحشر خير مآل

القانتين المخبتين لربهم * الناطقين بأصدق الأقوال

التاركين لكل فعل سيء * والعاملين بأحسن الأعمال

أهواؤهم تبع لدين نبيهم * وسواهم بالضد في ذي الحال

ما شابهم في دينهم نفص * ولا في قولهم شطح الجهول الغالي

عملوا بما علموا ولم يتكلفوا * فلذاك ما شابوا الهدى بضلال

وسواهم بالضد في الأمرين قد * تركوا الهدى ودعوا إلى الإضلال

فهم الأدلة للحيارى من يسر * بهداهم لم يخش من إضلال

وهم النجوم هداية وإضاءة * وعلو منزلة وبعد منال

يمشون بين الناس هونا * نطقهم بالحق لا بجهالة الجهال

حلما وعلما مع تقى * وتواضع ونصيحة مع رتبة الإفضال

يحيون ليلهم بطاعة ربهم * بتلاوة وتضرع وسؤال

وعيونهم تجرى بفيض دموعهم * مثل انهمال الوابل الهطال

في الليل رهبان وعند جهادهم * لعدوهم من أشجع الأبطال

وإذا بدا علم الرهان رأيتهم * يتسابقون بصالح الأعمال

بوجوههم أثر السجود لربهم * وبها أشعة نوره المتلالي

ولقد أبان لك الكتاب صفاتهم * في سورة الفتح المبين العالي

وبرابع السبع الطوال صفاتهم * قوم يحبهم ذوو إدلال

وبراءة والحشر فيها وصفهم * وبهل أتى وبسورة الأنفال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سورة الكهف مكتوبة - فضل سورة الكهف ليس قصرا على وقت بعينه

سورة تبارك ، سورة الملك : تَبارَكَ الَّذي بِيَدِهِ المُلكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ

سورة الكهف - تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ